الحبشي.. إماراتي يقوده شغفه بالكائنات الدقيقة إلى العالمية
حقق المصور الإماراتي يوسف الحبشي إنجازاً متفرداً في عالم التصوير العلمي، عبر فوزه بالمركز الأول في مسابقة «عالم صغير من نيكون» (Nikon Small World) للصور المجهرية العالمية في دورتها الـ44 التي أقيمت في الولايات المتحدة الأميركية.
نجح الحبشي في الفوز بالمسابقة بعد منافسة مع علماء ومصورين من 89 دولة قدموا أكثر من 2500 صورة مجهرية، ليكون بذلك أول مصور عربي يحصد هذه الجائزة العالمية العريقة التي يبلغ عمرها 44 عاماً، ويحقق بلقطاته الدقيقة عن حشرة السوس الآسيوي، حلماً بدأه منذ عام 2010، وسعى إليه بعد سنوات طويلة من البحث والتعمّق في هذا المجال.
الفضول والعلم
في مستهل حواره مع «الإمارات اليوم»، يروي الحبشي بداية تعلقه بهواية التصوير وحكايته مع العدسات، مضيفاً: «لقد دفعني الفضول إلى اقتحام هذا العالم الواسع، فاقتنيت أول عدسة تصوير، ثم كشف لي الشغف لاحقاً رغبة جامحة في النجاح والتمكن من أدواتي الفنية في مجال تصوير الأجسام الدقيقة، للوصول إلى صورة شبه مثالية تكشف ولو عن جزء بسيط ومتناهٍ من هذا العالم الشاسع والدقيق جداً، الذي ظل بعيداً عن أعين كثيرين».
وتابع الحبشي «لم تكن البدايات سهلة في ظل عدم تقبّل المحيطين بي لهذا الضرب من الشغف، إذ رأوه غريباً بعض الشيء، خصوصاً بالنظر إلى التكاليف الباهظة التي يتطلبها دون الخروج بنتائج جمالية ملموسة، إضافة إلى أنني اكتشفت بعد فترة أن هناك أنواعاً متعددة من التصوير المجهري، تبدأ بالتصوير (الماكرو)، الذي يعني التصوير المقرب إلى درجة معينة، لتأتي بعدها تقنية (المايكرو) التي تتجاوز مجال تكبير الصور بما يزيد على 10 مرات عن تصوير الماكرو، إذ يتميز بعمق تقنياته وتطورها إلى درجة كبيرة من ناحية دمج مئات الصور وإعادة تجميعها لتشكيل صورة واحدة مكتملة المعالم والتفاصيل الدقيقة، لهذا السبب أفضل أن يتم اعتماد تسمية (تصوير الأجسام الدقيقة) مصطلحاً دائماً لهذا النوع من التصوير الضوئي».
إصرار على النجاح
وعلى الرغم من أن مشوار الحبشي لم يكن مفروشاً بالزهور، في الجزء المتعلق بنظرة المحيطين، وارتفاع كلفة العدسات ومعدات التصوير الخاصة، إلا أنه الحبشي نجح في تجاوز العقبات، وتقديم رؤيته أمام الجمهور عبر معرض خاص في عام 2016، حمل عنوان «وحوش صغيرة»، وذلك بالتعاون مع جامعة نيويورك أبوظبي، تاركاً انطباعاً جيداً.
وأوضح المصور الإماراتي «أحببت أن أقدم ذلك المعرض برؤية مغايرة تنأى عن مفهوم المعارض الجماعية، رغبة مني في شد انتباه الجمهور، ودفعه إلى التركيز على أسلوب التصوير المختلف، وكللت المحاولة بالنجاح، بعد أن نال المعرض ما يستحقه من تغطية إعلامية اهتمت بتسليط الضوء على الأعمال المعروضة بشكل أسهم في إبرازها».
واستطرد «شعرت بالسعادة عند بلوغي مرحلة متقدمة تعرفت فيها إلى التفاصيل العلمية الخاصة بكل كائن قمت بتصويره، لتتوافر لدي بعد فترة قاعدة بيانات استطعت من خلالها تقديم النفع لإحدى الجامعات في الدولة، بعد أن تواصلوا معي للسؤال عن نوعين من الذباب من بين 10 آلاف نوع مختلف حول العالم».
من الفلبين
وعن تفاصيل وحيثيات فوزه بالجائزة العالمية، التي انطلقت من صورة لعينةٍ من حشرة السوس الآسيوي، أوضح الحبشي «اعتمدت تقنية (Focus Stacking) التي دمجت فيها مجموعة من الصور لنقاط مختلفة من الحشرة المعروفة في الفلبين، للخروج بصورة مكتملة الملامح والتفاصيل»، لافتاً إلى أن «هناك مجموعة معايير لابد من توافرها في الصور المشاركة، سواء من ناحية التقنيات والأدوات المستخدمة في عملية التصوير أو حيثيات اختيار الكائن المجهري، وصولاً إلى التقييم النهائي الذي يتولى مهمته نخبة من أعضاء اللجنة المختصة بتقييم الأعمال، ويتميز طبعاً بالشفافية والصدقية العلمية المبنية على الأرقام والنتائج والمعلومات المقدمة للنظر».
ويتوقف الحبشي مطولاً عند العوامل التي تتحكم في ظروف التقاط الصور الدقيقة، وذلك تبعاً لطبيعة كل كائن دقيق، ومدى استجابته لانعكاس الضوء، وحساسية العيون المركبة لبعض الحشرات، وتفاعلها مع الأشعة الضوئية وفوق البنفسجية وتحت الحمراء، ما يضيف بعداً علمياً لهذه الهواية. في الوقت الذي تلعب معادلة الحجم دوراً وصفه الحبشي بالقول: «تبدو عملية تصوير هذه الكائنات مرهقة ومعقدة بعض الشيء، خصوصاً أن هناك كائنات دقيقة جداً، ولهذا السبب يشهد هذا الميدان ندرة في عدد المصورين المحترفين الناشطين في هذا الحقل، فالأغلبية تخلت عنه بسبب التعقيدات التي يطرحها والمردود المادي الذي لا يقارن بغيرها من الأعمال واستخدام الصور وتسويقها على نطاق واسع».
رسالة أخلاقية
يتوقف الحبشي عند الرسالة الأخلاقية التي يكرسها عبر هذا الشغف، وأولها توقه لتسليط الضوء على عوالم كائنات لا ترى بالعين المجردة، وتأكيد دورها في حفظ التوازن البيئي واستمرارية الحياة الإنسانية التي يراها المصور الإماراتي بعين التقدير وميزان القيمة التي لا يقل أهمية عن دور الكائنات الأخرى في الكون، مستشهداً بالآية الكريمة: «إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا»، للدلالة على أهمية هذه الكائنات ودورها في التوازن الحيوي.
مسيرة تحقيق الأحلام
أكد يوسف الحبشي أنه يعشق تصوير الكائنات الدقيقة، ويدفعه ذلك كل يوم للاستيقاظ في ساعات الفجر الأولى لمباشرة تتبع تفاصيل الكائنات لساعات، مضيفاً «من الضروري أن تمتلك المعلومة العلمية حول أماكن وجود هذا الكائن أو ذاك، وهو أمر ليس سهلاً».
وأشار إلى صور عدة يفخر بالتقاطها، مثل سوسة النخيل الحمراء المحلية، ونوع من الذباب الشاطئي الذي يتميز بألوان عيونه المختلفة، إضافة إلى نوع من الخنافس نجحت عدسته في إبراز تفاصيلها.